لماذا تنتصر الخرافة فى مجتمعنا على العلم؟.. هذا موضوع كتاب مهم أصدرته «دار المحروسة للنشر» عنوانه «تقدم علمى تأخر فكرى»، تأليف الباحث سامح سعيد عبود، محور الإجابة هو أن الخرافة طريق سهل لتفسير الظواهر، أما العلم فهو طريق صحيح لكنه صعب ومجهد، ودائماً يطرح علامات الاستفهام، ولذلك فهو سهل التخلى عنه، خاصة من مجتمع أدمن الكسل العقلى مثل مجتمعنا.

يطرح الكتاب رؤيته عبر مشاركة القارئ علامات الاستفهام، ولا يدعى أنه يحتكر الحقيقة حتى يمنح القدوة فى اتباع المنهج العلمى، فيؤكد أن الإنسان العاجز والمستعبد بدلاً من أن يبحث عن تفسير كل ما يدهشه ويخيفه يلجأ للتفسير الخرافى حتى يأمن من الخوف!، ولاشك أن مجابهة الخوف بالعلم، الذى هو فهم الواقع من خلال تغييره، هى الحل والأمان، وروعته فى أنه حل واقعى وعملى وممكن وفعال، وإن كان لا يحوز روعة الخيالات المستحيلة للخرافة.

العلم لا يدعى أن حقائقه مطلقة، لأن الحقائق العلمية تعتمد على دقة الملاحظة والتجربة، وهذه الدقة تزداد بتقدم وسائل الرصد والتجربة، ودائماً يحتفل أنصار الخرافة بشرب نخب هزيمة العلم من خلال هذه النقطة التى يعتبرونها نقطة ضعف، وهى فى الحقيقة نقطة قوة، لأن اعتراف العلم بأنه نسبى وأن طريق المعرفة مازالت فيه محطات استفهام هو الذى يمنحه مفتاح الفضول العلمى ومن ثم حل المشكلات.

الأرض على قرن ثور، خيال أسطورى رائع، لكنه للأسف غير حقيقى وغير علمى مهما كتبه مفسرون عظام ورجال دين مبجلون، وليس من مهام العلم البرهنة على صحة تلك الأساطير والخرافات ولا الحلول محلها. ببساطة، ممنوع تداول الخرافات داخل المعمل، ولا يصح أن نقول فى كلية علمية محترمة لابد من عمل رسالة دكتوراة تثبت ما قاله فلان الفقيه أو القسيس فى كتابه المكتوب من ألف سنة، فليس من مهام العلم تبرير أساطير غير علمية لإرضاء نزعة انتصار طائفى زائف.

يجيب الكتاب عن سؤال مهم يحيرنا دوماً: كيف لأستاذ جامعة فى كلية علمية أن يتبنى التفكير الخرافى؟، وكيف يمكن لطبيب شهير مثلاً أن يمارس دجلاً طبياً أو ممارسة طبية قديمة تجاوزها الزمن وأثبت عدم صحتها العلمية تحت شعار الدين أو العادات أو التقاليد؟.. هؤلاء الأذكياء المثقفون إما أن لهم مصلحة فيما يدعون، أو أن ثمة عيباً فى طريقة تفكيرهم، أو خللاً ما فى طريقة تعلمهم وتثقفهم، أو أنهم شخصيات مأزومة نفسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، ولذلك تجد راحتها وحل مشاكلها فى الإيمان بالخرافات والأوهام، والهروب إلى دفء الخيال!!

المشكلة فى هؤلاء الذين يركنون للخرافة والمفروض أنهم يحملون شهادات علمية عالية، أن ذكاءهم وظيفى محدود، فى عملهم فقط، وتخصصهم فقط، لا يتعدونه قيد أنملة، ولأننا نتعلم ليس بغرض الفهم ولكن بغرض الحصول على شهادة دراسية، فنحن سنظل أسرى التفكير الخرافى، لأننا بطريقة تعليمنا نقتل غريزة حب الاستطلاع، ولا يصح أن نروّج للربط المتعسف بين الدين المطلق والعلم النسبى، لأنه ببساطة فى العلم كلمة «وإنت مالك.. إيه اللى حشر رأيك فى الموضوع» غير مقبولة، أما فى الدين فكلمة و«إنت مالك» مقبولة بل مطلوبة، لأن رأيك أدنى مرتبة، فهذا منهج وذاك منهج آخر ولا يصح الخلط بينهما، لأن ذلك ضرر على قدسية الدين وتقدم العلم كليهما، ويجعل عقل عالم الكيمياء والفيزياء انقيادياً وليس نقدياً.